في التفسير وفضائل القرآن وحملته
قال
الله عز وجل سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم لما كان الله
عزيزا حكيما عزيزا في ملكه حكيما في امره استوجب على اهل سماواته وارضه ان
يقدسوه ويسبحوا بحمده له ملك السموات والارض يحيي ويميت وهو على كل شيء
قدير ومن قدرته على كل شيء احياء كل ميت واماتة كل حي وهو سبحانه الذي لا
يموت المتفرد بالبقاء والدوام والعزة والجبروت هو الاول والاخر والظاهر
والباطن وهو بكل شيء عليم اول سبق وجود كل موجود آخر يدوم بقاؤه بعد كل
مفقود ظاهر بعلوه وقهره فوق كل شيء باطن بنفوذ علمه فلا يشذ عن احصائه شيء
هو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش في خلق السموات
والارض ايات اكبر من ان تدركها عقول المتأملين واكثر من ان يحصيها ضبط
الحاصرين ولو لم يكن الا اختراعها على غير مثال سابق وقيامها على الدوام
بلا اضطراب ولا اختلال لاحق لكان في ذلك ما يحير ألباب الرجال يعلم ما يلج
في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها الولوج الدخول اي
يعلم ما يدخل في الارض من مياه امطارها وما يخرج منها من نابتة تنبت فيها
من عشبها واشجارها وما نزل من السماء ملك ولا صعد اليها الا بعلم الرب الذي
ليس في الوجود ذرة الا وهو رقيب عليها وهو معكم اينما كنتم والله بما
تعملون بصير اي انه تعالى معنا بعلمه وقدرته مشاهد لأعمالنا واقوالنا
واحوالنا فقال تعالى الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين وقال تعالى وما
تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعلمون من عمل الا كنا عليكم شهودا
اذ تفيضون فيه فمن كان موقنا ان الله سبحانه معه ومشاهده أينما كان يصير
بعمله كائنا ما كان استحيا من الله ان يخطر على قلبه او يجري على جوارحه ما
لا شرعه الرسول ولا نزل به القرآن واستحيا ألا يلبس معصية أينما كان له
ملك السموات والارض والى الله ترجع الامور الملك كله لله وهو غني عنه
والامر كله خيره وشره يرجع اليه يوم الجزاء ولم يكن شيء غائبا عن علمه ولا
خارجا عن محكمه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل سلط سبحانه
الليل على النهار بإدخاله فيه وانتقاصه منه فسيترد منه ما سلبه ومثله معه
بحكمة لا يعلم سرها غيره وهو عليم بذات الصدور ليس في صدر مخلوق خير ولا شر
الا والله تعالى عالم ومضطلع عليه وناظر اليه يعلم السر واخفى يعلم ما تكن
صدورهم وما يعلنون لا يخفى عن علمه شيء فرحم الله امرىء طهر باطنه مما
يكره ان يطلع عليه خالقه وبارئه وبعد فهذا بعض ما اقتضاه الكلام على تفسير
اول هذه السورة سورة الحديد من تعظيم الحميد المجيد فالويل ثم الويل لمن هو
عن تعظيم الله غافل وبصفاته العلية جاهل وفي اثواب المعصية رافل مصر على
الخطايا غير ثابت ولا آفل عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال إن بين الله وبين الخلق سبعين ألف حجاب واقرب الخلق إلى الله
سبحانه وتعالى جبريل وميكائيل واسرافيل وبينهم وبين الله اربعة حجب حجاب
من نار وحجاب من ظلمة وحجاب من غمام وحجاب من الماء وعنه وعن عبد الله بن
عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الله تعالى سبعون الف حجاب
من نور ومظلمة وما تسع من نفس شيئا من حسن تلك الحجب إلا زهقت فإن قيل ما الحكمة في هذه الحجب
والله سبحانه وتعالى غني عنها فالجواب ان من بعض فوائدها رأفة الله تعالى
بعباده وشفقته على خلقه ولولا احتجاب عن عوامله إلا خرقت سبحات وحهه ما
انتهى إليه بصره من خلقه جلت عظمة الله وتعالى جده فهو سلطان الله وغلب
جنده توحدت ذات الله وتقدست أسماؤه وسبقت مقادير الله ونفذ قضاؤه عز جناب
الله وعز جلاله صدعت حجة الله وصدق مقاله قوله الصدق ووعده الحق ونوره
الساطع وحرزه المانع سبحانه أنزل كتابا أحكمت آياته وأرسل رسولا بهرت
معجزاته فيا من أحياه الله على الإسلام اسأل أن يتوفاك مسلما ويا من سربله
الله قميص الإيمان اجتهد أن يكون بالنقاء معلما ويا من استحفظه الله القرآن
كن بمتشابهه مؤمنا وبمحكمه عاملا حامل القرآن حامل راية الإسلام وفي كل
خصلة من خصال الخير لأهلها إمام لا يقنع بأداء الفرض وترك الحرام يشبع
الناس وبطن حامل القرآن جائع ويضحك الناس وطرفه دامع قد درجت النبوة بين
كفيه فهو نبي غير أنه لا يوحى إليه ما بين من يقرأ الكتاب وبين من يوحى
إليه سوى النبوة وحدها للأنبياء مراتب خصوا بها والقارئون مراتب من بعدها
طوبى لمن يرعى أمانة ربه بالبر والتقوى ويحفظ حدها انفت من الدنيا الدنية
نفسه فلم يك قط يوما عبدها وسما بهمته الى الدار التي رب العباد لمن أطاع
أعدها لم يخلق الرحمن أحسن منظرا منها سوى عبد تبوأ كلدها باب القرآن
يقدمنا إلى المتاجر الرابحة ونحن عنها متأخرون والقرآن يزهدنا في الدنيا
الفانية ونحن فيها راغبون ما راعينا حق نعم الله علينا حق رعايتها ولا
تلقيناها بما لزمنا لها من كرامتها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى
أخباره فليتنا أتبعنا وهذا كتاب الله تتلى علينا آياته فبأيها انتفعنا يا
نعما طالما كفرناها بها قوينا أن نعصى الله ويا نفوسا لو أنها رحمت لم نك
في سهوة أطعناها ويا علوما ما كان أنفعها لو أننا في الهدى اتبعناها قد
حفظنا العلوم متقنة لكن بأعمالنا أضعناها طوبى لنفس بعلمها عملت واتخذته
دليل مسراها فنادت إلى أن بربها اتصلت ثم أناحت به مطاياها وآثرت قربه
فآثرها كذاك لما ارتضته أرضاها باب المسلمون قوم انقادوا لله بالدخول في
دينه فلما تمكن التوحيد من قلوبهم التزموا بطاعته وتمكنت من قلوبهم
وجوارحهم سلت أرواحهم عن كل حب سوى حبه فلما أحبوه لهجوا بذكره وتنافسوا في
قربه فلما قدموا عليه حلوا عرى الترحال وألقوا عصا السفارة لأنهم لم يكن
لهم سواه مطلوب وإنما غاية المحب الوصول إلى المحبوب ما للمحب سوى المحبوب
مطلوب إذ قلبه عن سوى ذكراه محجوب فالصبرمنتزح والسر مفتضح والدم منسفح
والقلب مسلوب إن روحته أماني الوصل فقد يرتاح شيئا وإلا فهو مكروب باب إن
من أصدق الشواهد على محبة العلي الماجد متابعة رسوله ومواظبة تلاوة تنزيله
فإن الهادي الرشيد والقرآن المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد قال الحسن البصري رحمه الله التزموا كتاب الله وتتبعوا
ما فيه من الأمثال وكونوا فيه من أهل النظر رحم الله عبدا عرض نفسه وعمله
على كتاب الله عز وجل فإن وافق ما فيه حمد الله وسأله الزيادة وإن خالفه
استعتب ربه ورجع إليه من قريب وقالت أم الدرداء سألت عائشة رضي الله عنها
عمن يدخل الجنة من قراء القرآن ما فضله على من لم يقرأه فقالت إن عدد درجة
بعدد آي القرآن فمن دخل الجنة من القراء فليس فوقه أحد وإذا لم يكن فوقه في
الجنة أحد فينبغي له ان يحسن كلام ربه مع القرآن ويجتهد في العمل بما فيه
وإلا كان يوم القبامة من الخاسرين وقد روي عن أبي سليمان الداراني رحمه
الله عليه أنه قال الزبانية يوم القيامة أسرع إلى حملة القرآن يعصون الله
بعد قراءته منهم إلى عبدة الأوثان غضبا عليهم حين عصوا الله بعد القرآن وعن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال رب تال للقرآن والقرآن يلعنه وروي في الحديث
من كان في قلبه آية من كتاب الله وصب عليها الخمر يحيا كل حرف منها حتى
تأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة فيخاصمه ومن خاصمه
القرآن خصم فالويل كل الويل لمن كان يقرأ القرآن يوم القيامة وهو من المصر
على الزنا وشرب الخمر والرياء وظلم العباد أكل الحرام والربا وقال الفضيل
بن عياض حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا
يلغو مع من يلغو ولا يسهو مع من يسهو تعظيما لحق القرآن قال ابن مسعود رضي
الله عنه ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون يختالون وبصمته
إذ الناس يخوضون أهل القرآن أئمة بهم اهتدى أهل السلوك إلى رضا الجبار لكن
عليهم أن يقوموا بالذي فيه من المشروع للأبرار صدق وإخلاص وحسن عبادة
وقيام ليل مع صيام نهار وتورع وتزهد وتعفف وتشبه بخلائق الأخيار وديانة
وصيانة وأمانة وتجنب لخلائق الأشرار وأداء فرض واجتناب محارم وإدامة
الأوراد والأذكار يا حامل القرآن إن تك هكذا فلك الهنا بفوز عقبى الدار
ومتى أضعت حدوده لم تنتفع بحروفه وسكنت دار بوار اللهم كما علمتنا كتابك
فوفقنا للعمل به حتى يكون شاهدا لنا عندك وقائدا إلى جنتك ومؤنسا لنا في
وحشة الألحاد ومركبا لنا يوم يقوم الأشهاد اللهم اجعلنا بالقرآن عاملين
ولأوامره متبعين ولنواهيه مجتنبين واجعلنا لك كما تحب فإنك لنا كما نحب
اللهم بدل سيئاتنا حسنات ولا ترنا أعمالنا حسرات وأقبل بقلوبنا إليك ولا
تخزنا يوم الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على
سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين